الاثنين، ٢٦ كانون الأول ٢٠١٦







كثيرةٌ هي الأشياء التي أشعر من خلالها أنني و العالم في اتجاهين مختلفين و أننا نمضي لا تقاطعاً ولا توازياً ، عندما أشعر بالأرق فعلاجه القهوة ، لأنها مخدر طبيعيٌّ لي ، وكلّما خيّب أحدهم أملي فأنا لا أتقلّص ولا أنزوي بعيداً عن الناس لأعيش تعاستي بترف ، على العكس تكبر الطفولة بداخلي أكثر ، أضحك حين أشعر بالضحك مهما كانت حالتي النفسية ، و أكتب حين يخونني الكلام ،أرفض أن يبقى حبيساً بداخلي فأحرّره على الورق ولا يهمني أنذاك بأي قلم أُدوّن ولا بأي لغة أكتب وما إذا كان خطي سيئاً فحسبي أنني لا أتحوّل إلى نشاز عندما أعود لأتأمّلني بعد حين ....
لا زالتْ تعتريني الدهشة حين أنفخ بالوناً و حين أزرع وردةً بكتابي وأعود بعد سنوات لأجدها كما تركتها ، ليستْ بذات اللون ولا بنفس الرائحة ، غامقةً قليلا كنبيذٍ معتّق كلّما تقادم ازداد حضوراً و أناقة.
لا زلتُ أؤمن أن القادم أجمل مهما تكسّرتْ بداخلي أشياء ، تنمو بداخلي أشياءٌ أخرى ، أكثر قوة ، أكثر رغبةً بالحياة ، لا زال سقفُ مدرستي الإبتدائية يلوح في أفقي، لا زالتْ صور أولاد الجيران وهم يستفزّون المجدوب الذي كان يجلس على عتبة بيتنا لأن أختي كانت ترفق به فترسل إليه الطعام ، لا زال وعيد أخي الأكبر يلاحقني حين أخبرتُ أمي أني رأيته يدخن مع أصدقائه فأبْرَحَتْه ضرباً ، لا زلتُ أتذكر عندما كنت في السابعة من عمري ، الشكولاتات التي كانت ترشيني بها ابنة الجيران حتى أخبرها عن موظف البنك الوسيم الذي كان يحدّق طويلاً إلى شرفتها والتي كانت تُبقيها مغلقة طيلة اليوم ومع ذلك تتلصص عليه خلسة دون أن يراها ، فبقي لسنة وهو يحاول أن يعرف عنها شيئاً ، إلى أن غضبتُ منها يوماً وأخبرته كم هو أحمق لأنه متعلّق بشمطاء و ضحك وأعطاني رسالةً دسستُها ليومين ، وأنا أتلاعب بأعصابها وأقول لها ماذا لو أخبرتُ شقيقك الأكبر فتتوعدني من شباك غرفتها المقابل لشباك غرفة اختي في المبنى الآخر ، كانت تتوق لقراءة الرسالة أكثر من خوفها مما سيفعله أخوها ، دعتني لبيتها وقدَّمت لي سلّة من الشكولاتة الفاخرة حتى تحصل على المظروف الأصفر المعطر ، بعدها بيومين جلب والدته وخطبها ، بعد زواجها ، اكتشفت أنني عقدتُ صفقةً خاسرة و ضاع مصنع الشكولاتة.
الفوضى التي يتركها الراحلون بداخلي ، لا يُكنّسها غيري ، لا زلتُ أبتسم في وجوه الغرباء وكل من أعرفه ، لا زلتُ أخبرهم أنني بخير ، رغم أنني لا أكون كذلك حقاً ، كنتُ أحاول ألاّ أقتل بداخلهم ذاك السؤال الذي يوجهونه لي دائماً حتى عندما لا أكون مستعدة لسماعه ، فيما مضى كان يقال اتبع قلبك فهو لن يضلّلك أبداً ، فلا أدرِ هل قلوبنا لم تعُد تميز الطرق التي لا تقود إلى أي مكان أم أنّ الطرق كلها ما عادتْ صالحةً للمضيِّ قُدُماً فيها....

;;