الخميس، ٦ آب ٢٠٠٩

الموتى أبداً لايتكلمون !





تسللت إلى الداخل كما اعتادت دوما أن تفعل بمنتهى الهدوء، وضعت يدها اليُمنى على صدرها وانحنت أمام سيدتها كما يصنع الكهنة أمام القُداس في المعابد القديمة...
هو ذا الإنكسار المُضمخ بجراح مساءات ، حرثت في ذاكرتها الوهنة فجيعة لاتستكين، لا يُرتِّقُ فتقها سوى أحلام بلَّلها النعاس غدراً!
تهمة أن تولد ومصيرك بيد غيرك ، كما لو كنت ريموت كنترول ، يتحرك بـ كبسة زر لا أكثر، وبعد أن تنتهي صلاحية بطارياته تقذفه الرياح تحتَ شرفة خريفية دون أمتعة، " لاصدى ، لا أثر ، وكأنه لم يكن يوماً!
"تُهمة جسد / روح لَا تنام إلا بأمر السيدة ، وأمنيات علتها أتربة رفوف السيدة ، ومُقَلٍ مُطفئة تحولت إلى مِنفضةٍ لـ سجائر السيدة!
تدور الجدران والأعمدة والأقواس ، تدور الوجوه والعربات والطرقات ، تتمازج الأضواء بالظلال ، يصرخ القلب وتنتحبُ الآمال العاجزة، فـ تشتعل غابات الأسى ، تتسع مسارات الدائرة وتضيق ، تنآى الكرامة عند المنعطف ، تشيرُ بـ بَنانِها علامة الصوت الموؤود ، الذي يكبح جمرة مهرة السؤال عن آخر العقاقير التي تُقاوم الصمت وتوقفُ نمو النباتات الشوكية عليها ....
مُتعبة ، مُتعبة ، مُتعبَة ، تتدحرج كـ عربةٍ مُفكَّكة عبر مُنحدرٍ وعر ، تُلاحقها نظراتٌ جاحدة ، تنسى قامتها الباسقة على أسوار الحديقة!
يفوتها أن تغفو بين راحَتَيْ عصفورةٍ مرتعشةٍ تتوقد إلى أعشاش الأمان والضوء والعنفوان ، تتعالى على العيون الزاجرة المسكونة بالفظاظة، تركض نحو المروج القريبة ، تجلسُ في حضرة العُشب الرطب والشجر المزهو بفتنة الأرض ، باخضرارها الفاحش ، يفوتها أن تركض كـ طفلة غضَّةٍ / غِرَّةٍ تحت المطر في أزقَّة المدينة ، فاغرة ثغرها المُتشقق على امتداد حبات الماء اللذيذة المُنعشة ،تبتلعها دفعةً واحدةً ، نكاية بكل الذين يسجنون حريتها في زنزانة السيدة!
تقضمُ أرغفة الشمس الساخنة ، تُقبل فجرها الخُرافي على مرآى الملأ ، تحتضنُ النجوم المُنزلقة بين ذراعيها مثل لآلىء مُسربلة على جبينها العالي....
تدور المُدن والبيوتُ والقناديل ، تستغيثُ بالمسافات ، ينفتحُ جرحٌ آخر في الروح المُثقلةِ بالعذابات ، تدور الأشياء وتدنو ، تنزاح ستارةٌ كُحلية عن صور ذميمة تتأبَّط حيطاناً موغلة في الرمادية ، تمسح الغبار عنها ، لتكشف عن وجوهٍ قميئةٍ مُترعةٍ بندوبِ القسوة، تُطاردها أطيافُها بشهوانية ، كأنَّها تُريدُ أن تأخذ حصتها منها لا أكثر، يأخذون نصيبهم فيها ، لـ يستطيعوا المُضيَّ بعد ذلك إلى سبيلهم في طمأنينة وسـلام ، تتفحص تجاعيدها عن كثب ، يرتجف الكرسي من تحتها، قبل أن تسقط في وادٍ سحيقٍ ،تُحاولُ أن تصرخ ، غير أن صوتها يتضاءل في حنجرتها ، تُجاهدُ أن تنهض فـ تخذلُها أطرافها، يصفعها بردٌ شرس ، وتنخر سكاكينه الحادَّة في لحمها ، يسترخي جسدها كـ مركبٍ فارغٍ آن له أن يرحل!
اشششش... غطُّوها ودعوها تنام..
فـ الموتى أبداً لايتكلمون !

;;