الخميس، ٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩

وحيدة يا الله !





تكسر وجهها في المرآة ، يتشظى ، تُلملم بقاياه المنثورة بشكل فوضوي ، كلما حاولت إعادة تنسيق تفاصيله ، انفلت من بين أناملها كما  الماء ، عصيٌّ على القبض ! قدمان منسوجتان من جلد يابس ، لا يُشبههما سوى كسرة خبزٍ قديمة في يد مُتشرد أضنته الزوايا ولفظته النتوءات والمرتفعات والشقوق ، يقتات على القمامة ، يستعير ظلها ، لتكون سقفه تلك الليلة ! فحيح العتمة ، يمتزج مع دندنتها المطعونة في خاصرة محمومة ترضع المعصيَّة ، ومن خلفها قهقهة رفيعة لرجل مُتخم بنبيذ أحمر مُعتَّقٍ ، يتدحرج بخفَّةٍ على جيدها الغافي ، وهو يرشف مُبتهجاً تماماً كـ بحَّارٍ ظامىء بعد تيه طويل ، للرسو على أطراف أرضٍ لم تطأها نعاله يوما !.
يتمرجح ، يُغمغم في صدغها بلين:
- هذا الكرز ، هذا النهد ، هذا الزقاق المُترع بالإستباحات ...تختلس النظر إلى ساعة الحائط العتيقة ، فيما تشق الحلكة طريقها إلى عينيها المُجهدتين ، تعتنق الصمت ، يبتلعها السكون ، وتلعن في سرها جوع الأرصفة وصُراخ الزمن العاهر!
الوقت يذبل ، يرتد الصدى المبحوح ، تتهجى أبجدية الحقد ، وتتلو داخلها جسداً يبحث عن هويته في جواز الفقر اليومي ، ويُشرِّع طقوس الهتك للريح والجرح ، ويتوحد بالدمار....
كـ مُتسوِّلةٍ يُناولها أجرتها ، فيما يمسح عنه خدر متعب ، يصفق الباب وراءه ، تجمع شتات ثوبها، لتلبسه رغم الثقوب.. تتقيَّـأ الصباح الداعر ، تثني ركبتيها بحسرة ، وتصرخ عاليـاً:
- لا أحد....، أنا وحيدة يا الله!

;;